قال صلى الله عليه وسلم:( اتبع السيئة الحسنة تمحها)
هي خطوات نخطوها في هذا الزمان، قد نذكرها وقد ننساها، قد ندرك بعضها ولكن نغفل عن الكثير، ذلك لأن منها ما جهلناه ومنها ما لم نلقي له بال،
جُلنا بين بيدائها فوطت أقدامنا على رملها، تبعتنا الريح، بل تتبعت آثار تلك الأقدام، فما كان منها ضعيف الأثر محته، وما امتزجت آثاره بالوحل صعب عليها محوه بالوهلة الأولى، فربما أراد صاحبها أن يعود فيلتمس خطواته فوثقها ضنًا بأنها ستوصله إلى سبيل النجاة بل لم يعقل بما أحاط بها من قذارة ذلك الوحل، ولو فطن بأن بقاءها انما هو فتنة لتمنى من الريح ألا تُبقي لها على أثر ولشكر لها صنيعها بعد ذلك.
فإنما تلك هي ريح النجاة حتى وإن جاءت على هيئة العاصفة،
فكلما قويت واشتد هزيزها طمست ما وراءها من خطوات
فما كان لصاحبها بعد ذلك إلا أن يعلن رضوخه أمام هيبتها،
فلا يملك حينها إلا أن يجاهد نفسه ليبقى آمنًا وسط تلك النفوذ
حتى وإن اشتاق لخطواته شوق المتضور للطعام،
واشتد جوعه، وجب عليه أن يصوم لذالك الدهرليوقف شهوة نفسه وإن اضطر لأن يربط تلك الأقتاب بحجر صلد يوقف تضورها ويستأنس بنسمات تلك الريح الباردة..
(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
حينما يُطرق القلب ندمًا على ما اقترفت يداه من إثم يشحذ همم ذلك الجسد كله ليرشده إلى الصلاح بعد تلك المفسدة!!
فعندما تبدأ قصة الحب وتظهر معالم تلك الفطرة الإلهية الخالصة، تتسارع تلك الخفقات بالتضارب معلنةً بداية الموقعة، فيحمى الوطيس حينها وتتلاطم أحصنة الدماء فيتساقط فرسانها على أرض تلك المعركة معلنين بداية رحلة الذل إلى الله، فحينما يتشبث القلب بمقلبه ومسبب أسبابه فإنه لا يملك حينها إلا أن يأوي إلى ركنٍ شديد بعد أن يئس من البحث عن رجل عاقلٍ رشيد يهدي قطراته إلى سيل آمن تشق طريقها بحذر بعيدًا عن سيل عرم متلاطم أو جرفٍ هارٍ متهالك، فتهوي حينها إلى بر الأمان بعد أن اختلطت فصائلها بهدي خير الأنام فامتطت خيل البيضاء ليلها بنهارها، فما كان لها أن تزيغ بعد ذلك!!
حتى إذا ما وصلت إلى نهاية المطاف واشتد لهثانها، شدت رحالها على ضفاف ذلك الكوثر المحمدي فاستقت منه رشفات نجاة يستحيل فيهم عودتها إلى حال التجلط!!